وذاك لأن إبليس لا يزال يجاهدنا بمبارته الكبرى كما جاهدهم ، ويريد أن يضللنا تماما كما أضلهم ، وينتقم منا بالتالي - كأبناء لآدم عليه السلام - كما ينتقم منهم ، وكما يشقيهم..
وذاك لأن العداوة بيننا - كبني آدم - وبينه جد متأصلة وغارقة الجذور :
إذ وكما كان هو السبب في خروجنا من الجنة ، كنا ولله الحمد كذلك السبب الأكبر في لعناته التامة ، وفي عداوة الله الكاملة له ، وطرده من كل الجنان :
فقبل خلق الإنسان كان إبليس من العباد المجتهدين ، حتى أن الملائكة عليهم السلام أصعدوه للعبادة معهم حتى السماء الخامسة كما يروى ..
وكان له في كل سماء إسم كالولي والتقي والعابد وغيره ..
وكان في قدر الله تعالى أن قامت حرب طاحنة في كوننا الدنيوي هذا بين الجن ، قبل خلق الإنس ، فكلف الله تعالى إبليس - لما كانت له من قدرات - أن يقضي على هاته الفتنة الكونية الجنية الكبرى ...
وفعلا إستطاع أن يسيطر على كل الجن ، وأن يقضي على كل فتنهم ، وبالتالي تكلف بحكمهم في كل العوالم ..
لكن عوض ان يشكر الله تعالى على ما من عليه وبما أكرمه ، داخله ما داخله من غرور وهو يرى ملكه يمتد في العديد من الدنايا والآفاق ..
فداخله الغرور لجبروته والكبرياء ، ثم قال في نفسه : أنا من أنا ، أنا أستحق أن أعبد .
وفعلا بدأ أولا عبادة نفسه بنفسه ، قبل أن يأمر أتباعه - وكما حاله اليوم - بعبادته الشقية ..
ولكن وفي هاته الأثناء وإبليس - المتأله سرا محشور كجني بين الملائكة - قال الله تعالى للملائكة عليهم السلام :
إني جاعل في الأرض خليفة .البقرة 30
وهنا فوجئ إبليس بما لم يخطر له على بال :
إذ كان يظن بأن الله لن يخلق من دونه خليفة للأرض ، لكنه كان يكتم الأمر على الملائكة الكرام ..
وما أن رأى آدم عليه السلام مجندلا في طينته حتى هابه ، ثم قال : ما خلق الله هذا إلا لغاية ..
فضمر الشر لهذا الخليفة حتى قبل أن تنفخ فيه الروح ، وذلك لطمعه في ربوبية الكون ، ولظنه بأن الله سيكشف بآدم ما إستتر من أمره ..
فهابه عند رؤيته لأول مرة ، ولكن وعلى خفية من الملائكة عليهم السلام ، ضربه برجله وهو صلصال لم تنفخ فيه الروح بعد ، فسمع له طنينا ففرح ثم قال : إنه أجوف وأستطيع أن أخترقه ..
فدخل فيه، ثم إحتقره ، وهو على يقين بأنه أقوى وأعلم منه ، بل وله من الصفات التي لا يمكن لهذا المخلوق الضعيف أن يمتلكها ، فكيف يكون خليفة عوضا عنه في الارض ؟
فزاد كبرياء وحسدا لآدم عليه السلام ، ليأمر الله تعالى الملائكة الكرام عليهم السلام بالسجود لآدم سجود تحية لا سجود عبادة..
فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه, الكهف 50 ..
فقال الله تعالى له : ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك ؟ الأعراف 12
فأجاب لبلادته : أنا خير منه .الأعراف 12
وهنا إعترف وأمام كل الملائكة بما كان يخفيه عنهم ..
لأن الملائكة عليهم السلام سألوا الله تعالى سؤال إستفهام قبل ذلك ، وحين قال لهم : إني جاعل في الأرض خليفة .البقرة 30
فسألوه سبحانه : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ..البقرة 30
وذاك لعلمهم :
1/ بأن خلافة الأرض لن تكون لمثل إبليس ، لأنه من السافكين للدماء ، ثم من المفسدين كما تبين بعد ذلك .
2/ بأن خلافة الأرض أمانة سامية ، ولن يهبها الله إلا لخاصته . والتي ربما كان يطمح بعضهم لها .
فأجابهم الله تعالى بقوله سبحانه : إني أعلم ما لا تعلمون .البقرة 30
إذ كانوا لا يعلمون أولا ما خفي من باطن إبليس ، وبعضهم منبهر بظاهر عبادته ، ويجهلون الكثير عنه ، وأول ما كانوا يجهلونه حقيقته لعنه الله تعالى ، والتي بدأت تتكشف لهم ما أن إمتنع عن السجود لآدم عليه السلام .
وهنا وأمر إبليس قد إنكشف لهم وهو يزداد كفرا وجحودا ، لم يزدادوا عليهم السلام إلا إيمانا ويقينا في حكمة الله تعالى ، وبأنه يعلم من الحقائق الكبرى ومن الدقائق ما لا يمكن أن يحيطوا به علما .
وليتفضل الله تعالى على آدم وحواء عليهما السلام - بعد أن خلقها من ضلعه الأيسر - بتفضله وبكرمه تعالى :
يا آدم أسكن أنت وزوجك الجنة ، وكلا منها رغدا حيث شئتما ، ولا تقربا هاته الشجرة فتكونا من الظالمين ..البقرة 35
واليهود لعنات الله عليهم يقولون بأن هاته الشجرة هي شجرة المعرفة ، والتي بالأكل منهما يعلم الآكل علم الله كله ، بينما نظن والله أعلم بأن هاته الشجرة شجرة الفناء والموت ، وبالأكل منها لم يعد الخلود من صفات آدم وحواء عليهما السلام ، ووجبت لهما الموت ..
بل ويرى بعض العلماء بأن آدم وحواء تحركت أمعاؤهما بالغائط ما أن أكلا من هاته الشجرة ، والذي لا مكان له إلا بهاته الدنيا ، ولهذا أنزلنا الله إليها تطهيرا من كل أدران هاته الشجرة المحرمة وأوساخها ، ككل أوساخ مخلوقات هاته الدنيا ، ثم للتطهير والتوبة من ذنب الأكل منها ، ومن كل الذنوب والآثام والموبقات ، و :
ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة .الأنفال 42..
ولهذا كانت أعظم منة بعدها من الله تعالى على آدم وعلى كل ذريته أن ألقى إلى آدم أمور التوبة :
فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه . البقرة 37 .
ثم إلى كل بنيه بعده عليه السلام ، ففتح باب التوبة لكل المومنين ،ومهما كثرت الذنوب وعظمت .
بل ولقد كان السببان الأكبران اللذان جعلا آدم وحواء عليهما السلام يأكلان من هاته الشجرة رغم نهي الله تعالى لهما عنها :
أن أزلهما الشيطان ودلاهما بكل غرور ، وليس بوساوس من أنفسهما ، بل إبليس من وسوس لهما بأنهما إن أكلا منها :
1/ سيصيرا ملكين ككل الملائكة وهما مبهوران بعظم وجمال وجلال وكمال الملائكة عليهم السلام .
2/ سيصيرا خالدين ويهبهما الله ملكا لا يبلى .
فكان جهل آدم بمكر إبليس أولا ، ولفطرته السليمة ثانيا ، ولظنه ثالثا بأن القسم بالله لا يمكن أن يكون كاذبا بعد أن أقسم لهما إبليس بذلك كما قال تعالى : وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين الأعراف 21 ..
ولجهل آدم عليه السلام كذلك بخصائصه الإنسانية ، وجهله بأن الله أعطاه أيضا من الصفات ما لم يعط بعض الملائكة ، وبأن التميز بين الملائكة والبشر تميز خلقة لا تميز تفضيل ، كما قال تعالى : ولقد كرمنا بني آدم .الإسراء 70
فجهل آدم وحواء عليهما السلام بكل هذا ، وبسمو صفاتنا الإنسانية حتى على بعض الملائكة هو الذي جعلهما يغتران بوسوسة إبليس بأن يصيرا ملكين ، ثم بوسوسته لهما بالخلود وبملك لا يبلى كما لا يزال يوسوس لبعض أتباعه ، وعلى رأسهم حبرة اليهود كأئمة لكل شروره وأناجيله ..
وهكذا وبعد أن قدر الله سبحانه التواب الغفار الغفور العفو الرحيم ما قدر على أبينا آدم وأمنا حواء عليهما السلام ، قال لهما ولإبليس لعنه الله تعالى : إهبطا منها جميعا ، بعضكم لبعض عدو ، فإما يأتينكم مني هدى فمن إتبع هداي فلا يضل ولا يشقى . طه123 .
فنزلنا كأناس وكذرية لآدم عليه السلام بكل رجاء في التوبة ، بل وللهدى ، ونحو الرجاء في السعادة .
ومعنا نزل إبليس وكل جنده كأعداء ، وليس لنا فقط بل وكاعداء لكل خير ولكل حق وحسن ..
بل ونزلنا نحن ومعنا رجاء كل الرحمات...
ونزل إبليس وهو يستمطر أعتى اللعنات وكل شياطينه من الجن والإنس .
ولينزل آدم وحواء عليهما السلام تائبين.
وينزل إبليس بكل غروره وكبريائه ومكره ، وبكل بواطله وضلالاته وشروره وهو من الملعونين أبد الآبدين ..
ومعلنا علينا الحرب ومنذ البداية ، بقوله لله سبحانه وتعالى :
لأقعدن لهم صراطك المستقيم ..الأعراف 16
ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين .الأعراف 17.
وهكذا وبعد أن عرف أن كل قوتنا كبني آدم في الهدى لصراط الله المستقيم وشكر وحمد الله تعالى على كل حال ، لم يهتم بكل من لم يهتدوا للإستقامة والشكر ، بل ركز ومنذ بداية زحفه على إبعادنا عن الإستقامة حتى لا نشكر ..
بل وحتى لا نعرف الله تعالى بحق، مما يعني الإعوجاج وفساد الفطرة ، وفساد الأخلاق وكل القيم ثم كل العقول والقلوب والنفوس والأرواح فكل الأجسام ..
وفعلا - وبعد أن مات آدم عليه السلام - أغوى ذريته الأولى فزاغوا عن كل إسلامنا الفطري الأول .
ولكن الله تعالى وكما وعدنا قبل نزولنا لهاته الأرض :
فإما يأتينكم مني هدى فمن إتبع هداي فلا يضل ولا يشقى . طه 123
بعث سبحانه وتعالى لنا النبيين مبشرين ومنذرين :
فبشرونا بأن سبيل الله تعالى سبيل إستقامة وتوبة وهدى للسعادة في الدنيا والآخرة .
كما أنذرونا بأن سبل الشيطان كلها دعوات للجحيم والشقاء ، وفي الدنيا قبل الآخرة .
ولكن لغرور إبليس الكبير - وكما طمع في آدم وأغوى ذريته الأولى من بعده - طمع في العديد من الأنبياء عليهم السلام وذرياتهم ، ولحد الأمر بقتل بعضهم عليهم السلام ..
بل وبعد كل نبي كان يغوي أتباعه وذريته ، وحتى حرف أخيرا اليهود ثم النصارى كتابيهما : التوراة والإنجيل ..
فلم يبق من يعبد الله في الأرض بحق إلا قلة ناذرة ، وعن إنحراف ..
ليغتر إبليس بنصره المبين هذا على الإنسانية وقد أغواها كلها ، وهو موقن بنصره المبين - حتى على خاتم الأنبياء والمرسلين عليه السلام وأمته - كما إنتصر على من قبله من الأمم..
وفعلا أنذرنا النبي صلوات الله عليه بأن إبليس سيغوي معظمنا كما أغوى من قبلنا بقوله عليه الصلاة والسلام :
لتتبعن سنن من كان من قبلكم حذو القذة بالقذة . رواه الشيخان
لكن ليس كما كان يظن إبليس ..
لأنه ظن :
أولا : بأنه سيهزم خاتم الرسل عليه وعليهم السلام ويمحو دعوته بنفس الطريقة التي محى بها دعوة من سبقوه .
ثانيا : بأن الكفر سينتصر على الدوام بهاته الدنيا كما سلف له مع الأمم السابقة .
ثالثا : بأنه سيملك باليهود وشياطينه عالم الإنس كمدخل لملكه الذي لا يبلى رغم يقينه بضلاله .
لكن محمدا صلوات الله عليه كان رسولا لا ككل الرسل عليهم السلام أجمعين ، إذ جاء كل منهم لهداية قومه خاصة ، ووحده محمد من بعث للناس كافة ..
ووحده محمدنا عليه السلام من كانت دعوته مكتسحة كل الدنيا إكتساح دعوة إبليس وشياطينه لكل أرضنا هاته ، ولهذا يروى عن رسول الله صلوات الله عليه وهو من يعلم حقائق كل هذا : لا يعلم قدري إلا ربي.
وهو حديث صحيح منطقا ولو لم يصحح متنا وسندا .
......................................................................................................
فلقد إكتسح إبليس كل الأمم السابقة بعد أنبيائها ..
وحتى أوحى لليهود من بعد موسى ثم للنصارى بعد عيسى عليهمما السلام بأنهم أبناء الله وأحباؤه ، وبأن لهم من الصفات ما ليس لغيرهم من البشر ، بل ووعدهم بالملك الذي لا يبلى ، والذي أغوى به آدم في البدء ..
وفعلا صدقه حبرة اليهود وكهنتهم كما قال تعالى عنهم وهم يستعدون لهذا الملك حاليا ومنذ قرون :
وإتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان البقرة 102.
ولهذا فإن الآخرة التي نومن بها نحن كمسلمين ليست كآخرتهم :
فهم يومنون نسبيا بخلود ملكههم بالأرض ، بل وبألوهيتهم كأبناء لله سبحانه وتعالى عما يصفون ..
وملك الآخرة عندهم من هذا الملك الذي لا يبلى بزعمهم ..
ولهذا من زمان وهم يخططون - وبإملاءات شيطانية وإبليسية - لهذا الملك الخالد بزعمهم ، وبإبليس كإله مهيمن على الإله الخالق سبحانه وتعالى عما يصفون ، وبالدجال الأعور كإله مخلص ..
ولقد كان إبليس يظن بأنه سيحقق هذا الملك بهم ولو عن ضلالة ، وهو في أوج الإنتصار على كل الأنبياء وكل أممهم ، كما سلف ..
لكن محمدنا عليه السلام - وكخاتم لكل النبيين والمرسلين - فاجأه بما لم يتوقع :
فلم يأت مثلهم عليهم السلام لقومه خاصة ، بل بعث رحمة للعالمين ، وللناس كافة ، بل وبمعراجه صار كل الكون بأراضيه وبكل سماواته وكأنه ملكه ..
وهنا بدأ الملك الكوني والعالمي - والذي كان فقط من غوايات إبليس - رسالة سماوية إسلامية عالمية من الله الخالق سبحانه وتعالى لكل بني آدم وللجن ، ولتضيع على إبليس وجنده قرون تلو قرون من العمل دون فائدة ..
وليبدأ من جديد كل حربه ضد هذا النبي الخاتم وأمته عليه من الله كل الصلاة وكل السلام ..
وللحد الذي تراءى فيه للمشركين بجنده محاربا للرسول صلوات الله عليه وهو يقول للمشركين :
لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم .الأنفال 48
لكن ما أن تراءت فئة الكفار وفئة المسلمين للقتال حتى نكص على عقبيه لعنات الله عليه . وهو يقول :
إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب الأنفال 48
ولتبدأ مع محمد عليه الصلاة والسلام كل الرسالات من جديد وما هي في الحقيقة إلا رسالة ودين واحد هو دين كل الأنبياء ومنذ آدم كما قال تعالى :
إن الدين عند الله الإسلام .آل عمران 19
ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين . آل عمران 85
وليتم كل نصر النبيين عليهم السلام أجمعين من جديد كما لم تهزم أممهم من قبل - بمحمد عليه السلام وأمته - والله يختم رسالته لنا ولكل العالمين ويختم كل القرآن بسورة النصر :
إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ..
وهنا لم يقل الله تعالى إذا : كمل : نصر الله سبحانه وتعالى بل : جاء فقط: وإبتدأ ..
فبعده هاته السورة الكريمة إلتحق الرسول صلوات الله تعالى عليه بالرفيق الأعلى والله يصلي ويبارك عليه وعلى آله صلاته وبركاته على إبراهيم وآله .
ولتتحمل أمة الإيمان بعده رسالته كاملة - وعلى رأسهم آله من آل البيت عليهم السلام فكل الأولياء الصالحين والعلماء والفقهاء العاملين - وإبليس وكل آله يتمون حربهم لكي لا يكتمل هذا النصر الذي جاء بمحمد عليه الصلاة والسلام ولكن :
يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون . الصف 8.
وما هي إلا قرون معدودة حتى إكتسح إبليس - وكل آله من كفار ومشركين ومنافقين وشياطين ..- بعض الأمة ، فشتت شملنا حتى لا يكتمل ذاك النصر العظيم الذي أتى منذ زمن الرسول صلوات الله عليه ، والذي قال الله تعالى لنا عنه : أتى أمر الله فلا تستعجلوه , النحل 1.
ولهذا ومنذ الفتنة الكبرى - وبعدها الخلافة الأموية - والمومنون الصادقون في حقبة الصبر الجميل على كل هاته المحن : وكان أمر الله قدرا مقدورا . الأحزاب 38.
ولهذا كان الأمر بنصرنا والذي قد جاء وأتى منذ زمن البعثة وعدا مفعولا لا ريب فيه ولله الحمد...
لكن ميدانه ليست فلسطين كما يظن البعض ، ولا حتى الأرض التي نعرف ، بل ميدانه كل عالم الإنس وكل عوالم الجن وما لا يعلمه إلا الله تعالى عن أمر نصره هذا .. فله الحمد ..
ولهذا أمرنا الله أن لا نستعجل أمره لأنه نبأ عظيم ومنذ عهد الرسالة : عم يتساءلون عن النبإ العظيم الذي هم فيه مختلفون كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون ..النبأ من 1- 5 ..
وها نحن نعلم بعض هذا النبإ الذي كان الكل مختلف حوله في الحقبة النبوية وقبلها ثم بعدها ..
والذي نعلم أنه مختتم بالخلافة المهدوية الراشدة دنيويا .
كما أنه مختتم بدعاء المومنين أخرويا : .. وأنصرنا على القوم الكافرين . البقرة 250
ودعاء المفلحين في الجنة : الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء . الزمر 74 .
ووعده سبحانه : أن الأرض يرثها عبادي الصالحين .
ولهذا : يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات .إبراهيم 48.
سيرث كل الأرض الله وحده . فهو خير الوارثين .ثم يورثها من يشاء من عباده الصالحين ..
ولهذا فإن الأرض أيضا من عوالم الملك الخالدة، ولن تفنى ، بل فقط ستتبدل نحو السرمد والخلود ، وكمركز لجنان الصالحين ولله الحمد ..
وهذا هو الفوز العظيم والنصر الموعود والخالد على كل أعدائنا وأعداء الرسل عليهم السلام وأعداء الله تعالى :
كما بقوله تعالى : فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون . غافر 78
وقوله تعالى : وخسر هنالك الكافرون . غافر 85 .
فذاك هو النصر الخالد الذي بشرنا ووعدنا الله به في قوله سبحانه وتعالى كذلك :
وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا . الزمر 71.
ولهذا فالنصر الذي نبأت بمجيئه سورة النصر منذ زمن البعثة سيتم ويكتمل دنيويا ببعثة المهدي ونزول عيسى عليهما السلام ، ولكن لن يكمل إلا في الآخرة حيث الله هو الملك الوارث الحق والولي النصير وحده ..
وأي نصر أكبر للمومنين من نصرهم وهم يدخلون الجنة ناضرين ، وإلى جهنم يساق كل أعدائهم من الكفار والمنافقين والمشركين ، وشياطين الجن والإنس أجمعين ..
ولهذا خسر إبليس لعنات الله التامات عليه أولا بطرده من الجنة وبضياع ملكه الأول بعد إمتناعه عن السجود لآدم ، ولكنه نزل ليقيم عرشه ويعيد ملكه ولو دنيويا في الأرض ، ولذلك حارب الأنبياء وأغوى أممهم ولحد القتل ..
ولكن وبعد أن لا حت له كل بوادر نصره فاجأه الله بمحمد عليه كل الصلاة وكل السلام ، وهو يراه يعتلي في معراجه السماوات العلى ، بل وليصير الملك الذي لا يبلى - والذي كان يبني عليه إبليس وأتباعه كل أباطيلهم - مجرد حلقة من سماوات محمد الخالدة عليه من الله كل الصلاة وكل السلام ..
ولهذا كانت هاته الأمة خير الأمم وكان محمد أول من يدخل الجنة عليه الصلاة والسلام .
فبه أنقد الله تعالى العوالم وكل مومني الجن والإنس من كل إفتراءات إبليس وشياطينه .
ولهذا كان له المعراج السماوي الذي لا يعلوه معراج ، بعد أن أم كل النبيين عليهم السلام بالمسجد الأقصى بنصره الخاتم هذا نحو سدرة المنتهى ..
فوقف جبريل عليه السلام يودعه هنالك ليقول له صلوات الله عليه : أهنا يترك الخليل خليله ؟
فأجابه جبريل عليه السلام : يا محمد إذا تقدمت إخترقت - اي الحجب النورانية - وإذا تقدمت إحترقت .
ولهذا كان كل الملك الدنيوي الذي كان يحلم به إبليس - ولا زالت تحلم به شياطينه بإمامة اليهود- مجرد ذرة في الأكوان التي إعتلاها الرسول صلوات الله عليه ، ودون أن يلتفت إليها صلوات الله عليه كما قال عنه الله تعالى :
ما زاغ البصر وما طغى . النجم 17
وكما قال عن الأكوان الكبرى التي قد رآها : لقد رأى من آيات ربه الكبرى ..النجم 18
لكنه كان يخاطب الناس عليه الصلاة والسلام على قدر عقولهم كما أمر، وبما لا تعيى عقولهم به صلوات الله عليه :
فلم يأمر الصحابة وهو يعود من معراجه عليه الصلاة والسلام - وقد غزا ورأى من الأكوان ما لم يره حتى جبريل عليه السلام - لم يأمرنا إلا بالصلوات الخمس كأغلى هدية لنا من الله تعالى ، ومنذرا لنا أولا من عواقب العديد من الآثام والذنوب ..
وهاته الرؤيا وإن غابت عن العديد من علمائنا فإنها لم تغب على إبليس عليه من الله تعالى كل اللعنات ، وهي حقيقة أشد عليه من جهنم :
فببعثة محمد صلوات الله التامات عليه - وبعد أن كان في أوج غروره ونصره - خسر الدنيا والآخرة مرة ثانية بعد أن كان له أمل نسبي في ملك بني إسرائيل الذي لا زالوا يظنون بأنه سيتحقق : وما يعدهم الشيطان إلا غرورا.النساء 120
ولهذا كانت بركات وصلوات الله تعالى على إبراهيم وعلى آل إبراهيم من النبيين والمرسلين كصلوات وبركات الله تعالى على محمد وعلى آل محمد من أوليائه الصالحين وصادقي العلماء العاملين ..
ولهذا أمرنا الرسول أن نصلي عليه وآله بصلوات الله على إبراهيم وآله .
الصلاة الإبراهيمية التي ستتجلى أسرارها وأنوارها أكثر ونحن نتدافع ضد الديانة الوضعية الإبليسية الإبراهيمية الجديدة ، والتي ستزحف على كل عالمنا العربي والإسلامي من كل حدب وصوب مستقبلا كآخر ورقات إبليس الضالة والمضللة .
.........................................................
ولهذا فمنذ البدء خسر إبليس كل ملكه وهو يمتنع عن السجود لآدم عليه السلام .
ولينزل ملعونا للأرض ليبني ملكه الواهي :
فكان أول ما أقام عرشه على الماء تمثلا بالله تعالى ، وليحلم بالملك الذي لا يبلى والذي لا زال يوهم به اليهود ويضل به شياطينه ، وقد أضل جل الناس ، بل وقتل العديد من الرسل وحرف كل الكتب السماوية إلى أن جاء محمد صلوات الله عليه بمعجزته المحفوظة من الله تعالى : القرآن الكريم ، والذي لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه .
والذي به وبعد محمد صلوات الله عليه لا يزال الله تعالى ينير لنا كل الظلمات ، وينذرنا من كل الشرور والبواطل والضلالات ، ويهبنا كل قوى الجهاد والتدافع والصمود ..
فبمجرد تلاوته اليوم تطمس شياطين الجن وتحرقهم ، لكن لن تنجينا من شياطين الإنس تلاوته فقط ولا مجرد التبرك به ..
لن ينجينا منهم - وعلى رأسهم كل أئمة إبليس من اليهود - إلا التدافع به عمليا ولو كفرادى ، وإلا ففسادنا كأفراد بعد أن فسدنا كمجتمعات : ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض . البقرة 251
وها قد : ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس . الروم 41
الفساد الذي يعني الإنتصار العابر للشر والظلم والخبث وكل الموبقات ، والهزيمة المؤقتة للخير والعدل وكل المبادئ والقيم ، والتي لا هزيمة لنا ولا إفساد لنا إثرها من شياطين الجن ولا من شياطين الإنس ما تمسكنا كمومنين بدليل إنسانيتنا القرآن الكريم على الأقل فرادى :
فكما أن كل مهندس يضع دليلا لكل آلة صنعها حتى تعمل بإتقان ، صنع الله الإنسان بدليله القرآن الكريم :
فالله كخبير خلق وصنع الإنسان ودليله القرآن الكريم ، وأستاذه الرسول صلوات الله عليه ، واللذان دونهما لا قيام للإنسان كصنع لله تعالى ولا إحسان ، بل ودونهما كل الفساد للإنسان وبالتالي لكل الأرض ..
ولذلك فمن باطن الإنسان يبدأ فساده وتبدأ كل هزائمه ، كما أن كل إحسانه يبدأ من باطنه كما قال الرسول صلوات الله عليه :
ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب . متفق عليه .
ولهذا وكما خسر إبليس الدنيا والآخرة ، يريد أن يخسر معه كل الجن وكل الإنس ..
وللأسف صدق الله علينا ظنه الخبيث هذا لعنه الله ، وتماما كما قال تعالى :
ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فإتبعوه إلا فريقا من المومنين . سبأ 20.
بل ولهذا قال سبحانه وتعالى : وقليل من عبادي الشكور . سبأ 13.
فمنذ البدء خسر إبليس ..
لكن عند الختم وللأسف لن يخسر وحده ..
بل سيخسر وكثير من الجن والإنس حتى أن الله تعالى يقول لآدم يوم القيامة أخرج بعث النار فيقول آدم عليه السلام : وما بعث النار ؟
فيقول سبحانه وتعالى : من كل ألف تسعمائة وتسع وتسعين ..
فقالت الصحابة : وأينا ذاك الواحد ؟
فقال أبشروا فإن منكم واحدا ومن ياجوج وماجوج ألفا ....
ثم قال : ما أنتم في الناس إلا كالشعرة السوداء في جلد ثور أبيض . رواه البخاري
وهذا هو الفوز العظيم الذي نرجوه من الله تائبين .
وذلك هو الخسران المبين لإبليس وجنده.
.......................................
فمنذ البدء خسر إبليس .
وعند الختم سيخسر ..
لكن ومعه كل عباده من الكفار والمشركين والمنافقين ...وشياطين الجن والإنس أجمعين ..
فاللهم غفرانك لكل المومنات والمومنين .
غفرانك اللهم .
والحمد لله على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ..
كحمده على محمد ، وعلى آل محمد أجمعين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق